مقالة علمية عن الماء اعداد المدرس المساعد: محمد مصطفى سمين /كلية الزراعة كربلاء/ قسم الانتاج الحيواني

مقدمة:

لقد أنعم الله على عباده بنعمٍ كثيرة ظاهرة وباطنة لا تُعدّ ولا تُحصى، ومن بين هذه النعم نعمة الماء، هذا السائل العجيب الذي يحمل الحياة في تكوينه ويمنحها بأمر الله لجميع الكائنات الحية، وقد قال الله تعالى في وصفه: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ) [الْأَنْبِيَاءِ: 30]، فالماء سرّ الحياة ونعمة من أعظم نعم الله تعالى على الأحياء، فلولا الماء لما وُجدت حياة على الأرض، ولظلّت جرداء قاحلة لا خير فيها، فمنافع الماء لا تُعدّ ولا تُحصى، وليس على الكائنات الحية فقط، وإنما أيضًا على جميع المخلوقات، فهو سبب الطهارة والنظافة، وهو متعة للحياة والنفس وبه تتجمل الأماكن وترتدي الطبيعة أجمل حُلّةٍ لها.

تعريف الماء

الماء مركب كيميائي عنصر قطبي جزئيٌّا. فجزيء الماء يتكون من اتحاد ذرة أوكسجين (تحتوي على ست إلكترونات في مدارها الأخير) مع ذرتين هيدروجين (تمتلك كل منهما إلكترونا واحدا) برابطة تسمى الرابطة التساهمية. تعتبر هذه الرابطة من أقوى الروابط على الإطلاق، لذا فليس من السهل كسرها واستعادة الأوكسجين والهيدروجين من الماء.

ويتم تنتظم ذرات الأوكسجين والهـيدروجــين لتكــون جزيء الماء حيث إن أول ما يتبـــادر للذهن أنها تنتظم على هيئة خط مستقيم (H-O-H) ، غير أن الأدلة المعملية أثبتت أن تلك الذرات تنتظم بهيئة لاخطية بحيث تكون الزاوية بين ذرتي الهيدروجين حوالي (105) الأمر الذي جعل البعض يطلق على جزيء الماء اسم (رأس الفأر).

من جانب آخر نجد أن توزيع الإلكترونات عبر الرابطة التساهمية بين الذرات غير متجانس. فذرة الأوكسجين تقوم بجذب الإلكترونات نحوها أكثر مما تفعل ذرة الهيدروجين الأمر الذي يعطي ذرة الأوكسجين شحنة جزئية سالبة (-) بينما يترك على كل ذرة من ذرتي الهيدروجين شحنة جزئية موجبة (+). إن هذا الانحياز للإلكترونات إضافة إلى ذلك الترتيب اللاخطي للذرات يجعل جزيء الماء جزيئا غير متعادل كهربيا وهو ما يعرف في لغة الكيمياء بـ (الجزيء القطبي).

يعود السبب في كثير من خصائص الماء إلى قطبيته. فقدرة الماء الفائقة على الإذابة (التي لا تقدر بثمن للكائنات الحية) تعود إلى هذه القطبية. فبها أصبح الماء من أقوى المذيبات حيث يسهم بفعالية في إتمام عمليات الهضم وتجديد الدم والتخلص من المواد السامة (الفضلات) في أجسام الكائنات العضوية وغير العضوية على حد سواء. وبفضل هذه القدرة على الإذابة تستطيع الأنهار والمحيطات نقل الأملاح والمعادن من مكان لآخر على سطح الأرض.

كما ترتبط هذه الجزيئات معًا لتكون عنصر الماء وفقًا لقانون كولوم (الذي ينص على أن الشحنات الكهربية المختلفة تتجاذب) تنجذب ذرة الأوكسجين (السالبة) في جزيء نحو ذرتي الهيدروجين (الموجبة) في الجزيء المجاور، و بتكــرار هـــذه العمليـــة يتكون الماء. يطلق على هذا النوع من الروابط الرابطة الهيدروجينية. هذه الرابطة وإن كانت تصنف من ضمن الروابط الهشة سريعة الكسر إلا أنها تتميز بأنها سريعة التكون أيضاً. ولنا أن نتخيل عنصر الماء كسلسلة من المغناطيسات المتلاصقة، إذا حاولنا إخراج أحد تلك المغناطيسات من مكان ما فإنه سرعان ما يلتصق في مكان آخر. وهنا يكمن في سر قوة تلاصق الماء وتماسكه والتي نتحدث عنها في الفقرة التالية بمزيد من التفصيل. ويعتبر الماء  أشد السوائل تماسكا وتلاصقا:
عند وضع سائل ما في إناء فإن الرابطة التي تربط جزيئاته بعضها ببعض تنقطع عند السطح، ونتيجة لذلك تبدو جزيئات سطح السائل مجذوبة نحو الداخل. وبمصطلح الفيزيائيين تسمى ظاهرة شد جزيئات سطح سائل ما بعضها لبعض بالتوتر السطحي وتقاس بالقوة المؤثرة على وحدة الأطوال (Dyne/cm). ووفقا لهذه القوة يبدو سطح السائل كقطعة جلد مشدودة على إطار. وباستثناء الزئبق فإن عنصر الماء يمتلك أعلى قيمة توتر سطحي بين جميع السوائل. تبدو هذه الظاهرة جلية عندما نملأ كوبا بالماء إلى حافته ولا ينسكب.. وعندما نرى العناكب تسير على سطح المياه الراكدة دون أن تبتل أقدامها وكأنها تسير على سطح صلب.. وفي ميل الماء إلى التكور على هيئة قطرات بدل الانتشار على السطح الذي يسكب عليه… وفي تكوين ذلك الحاجز غير المرئي بين المياه العذبة والمالحة عند مصاب الأنهار في البحار والتي جاءت الإشارة إليها في قوله سبحانه: )وَهُوَ الَّذِى مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَـيْـنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَّحْجُورًا( الفرقان (53) وفي الآية الكريمة إشارة واضحة إلى شدة تلك القوة الحاجزة والتي تؤكد عظم التوتر السطحي للماء. ولعل من أهم خصائص الماء الناتجة عن التوتر السطحي هي قدرة الماء الفائقة على تسلق جدران الوعاء الذي يوضع فيه، وكلما كان قطر الجدار الذي يتسلقه صغير كلما أرتفع فيه مسافة أعلى. هذه الخاصية الحيوية للماء والمعروفة باسم الخاصية الشعرية هي التي تتيح للماء – والأملاح المذابة فيه- فرصة الحركة من جذور النباتات إلى أعلى أغصانها، كما أنها المسؤولة عن سريان الدم في الأوعية الدموية الدقيقة في أجسامنا.

ويمتاز الماء كذلك باستقراره الحراري المثالي وتعتبر تلك الخاصية  غليان العناصر الهيدروجينية الأخرى المشابهة له في التركيب الكيميائي مثل كبريتات الهيدروجين أو الميثانول أو الإيثانول. حيث تمتلك تلك العناصر درجات غليان منخفضة جدًا رغم كبر وزنها الجزيء، ولو أن الماء يتبع نفس سلوك تلك العناصر لكانت درجة غليانه وفقًا لوزنه الجزيء الصغير عند درجة (-70مْ) وليس عند (100مْ) كما هو معروف (عند الضغط الجوي النظامي). أي لولا هذا الشذوذ لوجد الماء على الأرض وعند درجات الحرارة الاعتيادية في حالة بخار فقط !!

 ومن مظاهر استقرار الماء الحراري أيضا ارتفاع معامل الحرارة النوعية له. مما يعني أن الماء يحتاج إلى كمية كبيرة جدًا من الحرارة حتى يسخن مقارنة مع العناصر الأخرى. فإذا وضعنا قدرا فارغا على النار،

فسرعان ما يسخن حتى الاحمرار. بينما لو سكبنا فيه بعض الماء ووضعناه من جديد لاستغرق الماء وقتا كبيرا حتى يسخن. ذلك أن الحرارة النوعية للماء أكبر عشر مرات من الحرارة النوعية للحديد. ولو ذهبنا إلى شاطئ البحر في وقت الظهيرة لوجدنا الرمل أشد حرارة من البحر بينما الوضع ينعكس تماما في الليل.

والسبب أن الحرارة النوعية للماء أكبر بحوالي خمس مرات من الحرارة النوعية للرمل. فالماء يسخن ببـطء ويفقد حرارته أثناء تبريده أيضا ببطء. بينما الرمل يسخن بسرعة ويبرد بسرعة كذلك. وبقي أن نـذكر أن الحرارة النوعية للماء تساوي (1 كالوري / جم)، بمعنى أنه لرفع حرارة واحد جرام من الماء درجة مؤوية واحدة فإننا نحتاج إلى واحد كالوري. وكما أن معامل الحرارة النوعية للماء مرتفع فكذلك معاملي الحرارة الكامنة للتبخر وللإنصهار فإنه لتحويل جرام واحد من الماء عند درجة (100مْ) إلى بخار عند نفس الدرجة نحتاج إلى (540) كالوري ولإذابة جرام واحد من الجليد عند درجة (0مْ) إلى ماء عند نفس الدرجة نحتاج إلى (80) كالوري. ومن فوائد الاستقرار الحراري للماء أن درجة غليان الماء ودرجة تجمده تستخدمان كنقطتين مرجعيتين لمعظم الترمومترات. كما أن حرارته النوعية العالية جعلته يستخدم كمبرد في راديتر السيارات وفي كثير من المصانع. وبفضل الحرارة العالية اللازمة لتبخر الماء أو لتجمده نتج فصلا الربيع والخريف كمرحلتين انتقاليتين بين الشتاء والصيف.

ايضاً منحنى الكثافة الفريد إذا أخـذنا حجــماً معيناً من الماء وقمنا بتبريده فإن حجمــه ينكمــش وبالتــالي كثــافته تزداد مثله مثل أي ســائل آخر.

غير أن المــدهش في الماء أن هذه الخـاصية تتوقف عندما تصل درجة حرارة الماء إلى (4مْ). إذا قمنا بتبريد الماء أكثر فإن حجمه بدلا من أن ينكمش يتمدد وتقل كثافته تبعا لذلك. حتى أنه حين يتجمد – أي تصبح درجة حرارته صفرا مؤويا- فإن كثافته تكون قد انخفضت بمقدار (10%) عنها عند درجة حرارة (4مْ) .

وهذا يفسر لماذا تنفجر أنابيب المياه عند التجمد. ولماذا يطفو الجليد على سطح الماء ولا تتجمد البحيرات من الأسفل إلى الأعلى. أنها لخاصية فريدة تعكس بعض تجليات اسم الحفيظ ــ سبحانه ــ الذي حفظ للكائنات البحرية في المناطق المتجمدة حقها في الحياة.
يعد الماء أساس الحياة، وهو يغطي من الكرة الأرضية نسبة 71%، لذلك منذ القدم نشأت الحضارات القديمة حول الماء المسطحات المائية المتنوعة، وقامت ببناء مدنها وقراها والاستقرار حولها، ويتواجد الماء على الأرض في المحيطات، والبحار، والبحيرات، والأنهار، الآبار الجوفية، والبرك، وبخار الماء، والأمطار، والجليد في المناطق القطبية.

تشكل البحار والمحيطات (97.32 %) من نسبة المياه على الأرض، غير أنه لا يمكن الاستفادة منها لملوحتها. ويخزن حوالي (2.14%) من المياه على هيئة جبال ثلجية كمخزون إضافي للأرض. وتقوم حياة البشرية كلها على المياه العذبة التي تشكل أقل من (0.6 %) من مجموع المياه على الأرض والموجود على هيئة مياه جوفية وسطحية وأنهار. ولكن رحمة المولى اقتضت تعويض الأرض بما تحتاجه من المياه بالقدر المناسب عن طريق الدورة المائية المعروفة بدورة المطر.

ينتشر الماء على الأرض بحالاته المختلفة، السائلة والصلبة الغازية. وفي الحالة السائلة يكون شفافا بلا لون، وبلا طعم، أو رائحة. ويسمى الماء علميا بأكسيد الهيدروجين. ذكر علماء الجيولوجيا والفلك أن نشأة الماء تبدأ من الانفجار الكبير، حيث كان الكون كتلة واحدة فانفلقت للملايين من القطع وهي الكون والمجرات، وظهر حينها ما يسمى الأرض، كانت كرة ملتهبة تعوم في الكون الفسيح، بدأت الأرض تدريجيا في البرودة، فتكثفت الغازات الثقيلة وخرجت من الغلاف الجوي وبقيت عدة غازات من أهمها الهيدروجين والأكسجين وثاني أكسيد الكربون والأمونيوم وغيرها، استمر هبوط مستوى درجة الحرارة حتى درجة 273 مئوية وهي درجة تفاعل جزئ الهيدروجين مع الأكسجين. فبدأ هطول المطر في الأرض وسرعان ما كان يتبخر بسبب حرارة الطبقة السفلى في الأرض، وحينما بردت، حدث ما يسمى بالفيضان العظيم ونشأ بسببه المحيطات والأنهار والبحار وغيرها.

ويعتبر الماء مذيب للفيتامنات والأملاح والأحماض الأمنية والجلوكوز كما يلعب الماء، دورا حيويا في هضم وامتصاص ونقل واستخدام العناصر التغدوية، الماء هو الوسط الآمن للتخلص من السموم والفضلات ،يعتمد كل التنظيم الحراري على الماء كما أن الماء، ضروري في إنتاج الطاقة. فقدان الماء يصيب بالغيبوبة، فلا يستطيع الإنسان أن يعيش بدون ماء لمدة تزيد عن ثلاثة أيام، وينصح بالشرب قبل الشعور بالظمأ، كما أن الماء مهم جدا في الحد من البدانة وتراكم الدهون لدى الاطفال بالخصوص.

خاتمة:

يجب على الإنسان أن يشكر الله على نعمة الماء وأن يؤدي حقها على أكمل وجه وأن يحسن استخدامها لتدوم تلك النعمةً ، حيث جعل الله للماء خصوصية عظيمة، ففيه تتطهر الأبدان من كل ما يعلق بها من قذارة، وبه أيضًا يستطيع المؤمن أن يتوضأ للصلاة ويغتسل كما أمره الله، ويُشكل بيئة متكاملة لعيش آلاف الأنواع من الكائنات الحية، فهو مصدر للحصول على الطعام بصيد الكائنات الحية التي تعيش فيه، وبه أيضًا تتلطف الأجواء ويُضفي المتعة والجمال في أي مكانٍ يوجد فيه، وبه تنبت الثمرات فسبحان من قال في كتابه العزيز: (وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [الْبَقَرَةِ: 22 ]. وهو الأمر الذي يُوجب المحافظة عليها من التلوث الناتج عن تصريف مياه الصرف الصحيّ وعوادم المصانع إليها، ومحاولة الاستغناء عن المواد الكيميائية الضارة والاستعاضة عنها بالطبيعي من المواد، والحرص على استخدامها برفق دون تبذير، بالإضافة إلى صيانة شبكات المياه وصنابير المباني باستمرار، فالماء كما وصفته العرب قديمًا “أهون موجود وأصعب مفقود.